samedi 3 avril 2010

الربانية من كتاب لمعرفة الإسلام مدخل
إن الخصيصة الأولى من الخصائص العامة للإسلام هي: الربانية.
والربانية ـ كما يقول علماء العربية ـ مصدر صناعي منسوب إلى "الرب"، زيدت فيه الألف والنون، على غير قياس، ومعناه: الانتساب إلى الرب، أي: الله، سبحانه وتعالى، ويطلق على الإنسان أنه "رباني" إذا كان وثيق الصلة بالله، عالما بدينه وكتابه، معلما له. وفي القرآن الكريم:
ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون .
والمراد من الربانية هنا أمران:
  1. ربانية الغاية والوجهة
  2. ربانية المصدر والمنهج.
1- ربانية الغاية والوجهة:
فأما ربانية الغاية والوجهة، فنعني بها: أن الإسلام يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد، هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه هي غاية الإسلام، وبالتالي هي غاية الإنسان، ووجهة الإنسان، ومنتهى أمله، وسعيه، وكدحه في الحياة: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)، وأن إلى ربك المنتهى
ولا جدال في أن للإسلام غايات وأهدافا أخرى إنسانية واجتماعية، ولكن عند التأمل، نجد هذه الأهداف في الحقيقة خادمة للهدف الأكبر، وهو مرضاة الله تعالى، وحسن مثوبته. فهذا هو هدف الأهداف، أو غاية الغايات.
في الإسلام تشريع ومعاملات، ولكن المقصود منها هو تنظيم حياة الناس حتى يستريحوا، ويبرأوا من الصراع على المتاع الأدنى، ويفرغوا لمعرفة الله تعالى، وعبادته، والسعي في مراضيه.
وفي الإسلام جهاد وقتال للأعداء، ولكن الغاية هي: حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله
وفي الإسلام حث على المشي في مناكب الأرض، والأكل من طيباتها، ولكن الغاية هي القيام بشكر نعمة الله وأداء حقه: (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور)
وكل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وإرشاد، إنما يقصد إلى إعداد الإنسان ليكون عبدا خالصا لله، لا لأحد سواه. ولهذا كان روح الإسلام وجوهره هو التوحيد.
من ثمرات هذه الربانية في النفس والحياة
ومما لا ريب فيه أن لهذه الربانية ـ ربانية الغاية والوجه ـ فوائد وأثارا جمة في النفس والحياة، يجني الإنسان ثمارها في هذه الدنيا، فضلا عن ثمراتها في الآخرة. وهي ثمار في غاية الأهمية.
أولا- معرفة غاية الوجود الإنساني:
أن يعرف الإنسان لوجوده غاية، ويعرف لمسيرته وجهة. ويعرف لحياته رسالة، وبهذا يحس أن لحياته قيمة ومعنى، ولعيشه طعما ومذاقا، وأنه ليس ذرة تافهة تائهة في الفضاء، ولا مخلوقا سائبا يخبط خبط عشواء في ليلة ظلماء، كالذين جحدوا الله أو شكوا فيه، فلم يعرفوا: لماذا وجدوا؟ ولماذا يعيشون؟ ولماذا يموتون؟كلا، إنه لا يعيش في عماية، ولا يمشي إلى غير غاية، بل يسير على هدى من ربه، وبينة من أمره، واستبانة لمصيره، بعد أن عرف الله وأقر له بالوحدانية.
ثانيا- الاهتداء إلى الفطرة:
ومن ثمرات هذه الربانية وفوائدها، أن يهتدي الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها، والتي تطلب الإيمان بالله تعالى، ولا يعوضها شيء غيره، يقول تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرت الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله).
واهتداء الإنسان إلى فطرته ليس كسبا رخيصا، بل هو كسب كبير، وغنى عظيم، فيه يعيش المرء في سلام ووئام مع نفسه، ومع فطرة الوجود الكبير من حوله، فالكون كله رباني الوجهة، يسبح بحمد الله: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده (
والحقيقة أن في فطرة الإنسان فراغا لا يملؤه علم، ولا ثقافة ولا فلسفة، إنما يملؤه الإيمان بالله جل وعلا.
وستظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر، والجوع والظمأ، حتى تجد الله، وتؤمن به، وتتوجه إليه.
ثالثا- سلامة النفس من التمزق والصراع:
ومن ثمرات هذه الربانية ـ ربانية الغاية والوجهة ـ سلامة النفس البشرية من التمزق والصراع الداخلي، والتوزع والانقسام بين مختلف الغايات، وشتى الاتجاهات.
لقد اختصر الإسلام غايات الإنسان في غاية واحدة هي إرضاء الله تعالى، وركز همومه في هم واحد هو العمل على ما يرضيه سبحانه.
ولا يريح النفس الإنسانية شيء كما يريحها وحدة غايتها، ووجهتها في الحياة، فتعرف من أين تبدأ، وإلى أين تسير، ومع من تسير.
ولا يشقي الإنسان شيء مثل تناقض غاياته، وتباين اتجاهاته، وتضارب نزعاته، فهو حينا يشرق، وحينا يغرب، وتارة يتجه إلى اليمين، وطورا يتجه إلى اليسار، ومرة يرضى زيدا فيغضب عمرو، وأخرى يرضي عمرا فيغضب زيد، وهو في كلا الحالين حائر بين رضى هذا وغضب ذاك.
ومن في الناس يرضى كل نفس وبين هوى النفوس مدى بعيد؟!
إن عقيدة التوحيد قد منحت المسلم يقينا بأن لا رب إلا الله يخاف ويرجى، ولا إله إلا الله، يجتنب سخطه، ويلتمس رضاه. وبهذا أخرج المسلم كل الأرباب الزائفة من حياته، وحطم كل الأصنام المادية والمعنوية من قلبه، ورضي بالله وحده ربا، عليه يتوكل، وإليه ينيب، وفي فضله يطمع، ومن قوته يستمد، وله يتودد، وإليه يحتكم، وبه يعتصم: (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم).
رابعا- التحرر من العبودية للأنانية والشهوات:
ومن ثمرات هذه الربانية: أنها ـ حين تستقر في أعماق النفس ـ تحرر الإنسان من العبودية لأنانيته، وشهوات نفسه، ولذات حسه، ومن الخضوع والاستسلام لمطالبه المادية، ورغباته الشخصية.
وذلك أن الإنسان "الرباني" يقفه إيمانه بالله وباليوم الآخر موقف الموازنة بين رغبات نفسه، ومتطلبات دينه، بين ما تدفعه إليه شهواته، وما يأمره به ربه، بين ما يمليه عليه الواجب، بين متعة اليوم، وحساب الغد، أو بين لذة عاجلة في دنياه، وحساب عسير ينتظره في أخراه.
وهذه الموازنة والمساءلة جديرة أن تخلع عنه نير العبودية للهوى والشهوات، وأن ترتفع به إلى أفق أعلى من الأنانية والبهيمية، أفق الإنسانية المتحررة التي تتصرف بوعيها وإرادتها، لا بوحي بطنها وفرجها وغريزتها الحيوانية.
2- ربانية المصدر والمنهج:
ذكرنا ما يتعلق بالمعنى الأول للربانية، وهو ربانية الغاية والوجهة، وبقي المعنى الآخر، وهو ربانية المصدر والمنهج. ونعني به أن المنهج الذي رسمه الإسلام للوصول إلى غاياته وأهدافه، منهج رباني خالص، لأن مصدره وحي الله تعالى إلى خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم.
لم يأت هذا المنهج نتيجة لإرادة فرد، أو إرادة أسرة، أو إرادة طبقة، أو إرادة حزب، أو إرادة شعب، وإنما جاء نتيجة لإرادة الله، الذي أراد به الهدى والنور، والبيان والبشرى، والشفاء والرحمة لعباده. كما قال تعالى يخاطبهم: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا)، (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين .
موضع الرسول في هذا المنهج الإلهي:
الله تعالى هو صاحب هذا المنهج، ولهذا يضاف إليه فيقال: منهج الله، أو "صراط الله" على حد تعبير القرآن العزيز، وإضافته إلى الله تعني أن الله ـ جل شأنه ـ هو واضعه ومحدده، كما أنه غايته ومنتهاه.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الداعي إلى هذا المنهج أو هذا الصراط، المبين للناس ما اشتبه عليهم من أمره. يقول تعالى مخاطبا رسوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور
ميزة الإسلام بين المناهج القائمة في العالم:
إن الإسلام هو المنهج أو المذهب أو النظام الوحيد في العالم، الذي مصدره كلمات الله وحدها، غير محرفة ولا مبدلة و لامخلوطة بأوهام البشر، وأغلاط البشر، وانحرافات البشر.
والمناهج أو الأنظمة التي نراها في العالم إلى اليوم ثلاثة، فيما عدا الإسلام طبعا:
1.منهج، أو مذهب، أو نظام مدني بشري محض، مصدره التفكير العقلي، أو الفلسفي لبشر فرد، أو مجموعة من الأفراد، كالشيوعية، والرأسمالية والوجودية، وغيرها.
2. منهج أو نظام ديني بشري كذلك. مثل الديانة البوذية القائمة في الصين، واليابان، والهند، والتي لا يعرف لها أصل إلهي، أو كتاب سماوي، فمصدرها إذن فكر بشري.
3. منهج أو مذهب ديني محرف، فهو ـ وإن كان إلهيا في أصله ـ عملت فيه يد التحريف والتبديل فأدخلت فيه ما ليس منه، وحذفت منه ما هو فيه، واختلط فيه كلام الله بكلام البشر، فلم يبق ثمت ثقة بربانية مصدره، وذلك كاليهودية والنصرانية، بعد ثبوت التحريف في التوراة والإنجيل نفسيهما، فضلا عما أضيف إليهما من شروح وتأويلات ومعلومات بشرية، بدلت المراد من كلام الله.
أما الإسلام فهو المنهج الفذ الذي سلم مصدره من تدخل البشر، وتحريف البشر، ذلك أن الله تعالى تولى حفظ كتابه، ودستوره الأساسي بنفسه، وهو القرآن المجيد، وأعلن ذلك لنبيه ولأمته فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.
من كتاب مدخل لمعرفة الإسلام .. للدكتور القرضاوي


ملحوظة: كتاب للدكتور القرضاوي
شمولية الإسلام نشأة الفكرة ومستقبلها
خديجة بن قنة: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سعى التغريب إلى حصر الإسلام في العلاقة الباطنة بين العبد وربه وسعت العلمانية إلى حشره في العبادات فقط، فبرز التأكيد على شمولية الإسلام لكل أوضاع الكون والمجتمع والفرد، الجامع لكل أطراف الحياة، المهيمن على أحوال البشر. فكيف برزت الفكرة وما مستقبلها؟ شمولية الإسلام.. نشأة الفكرة ومستقبلها، موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي أهلا بك فضيلة الدكتور.
يوسف القرضاوي: أهلا بك يا أخت خديجة.
خديجة بن قنة: فضيلة الشيخ نبدأ بمعنى شمولية الإسلام، نتحدث دائما عن شمولية الإسلام ماذا نعني بذلك؟
يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد، فقبل أن أبدأ الحديث بالإجابة عن هذا السؤال المهم، فقد جرت عادتنا في هذا البرنامج أن ننعى إلى الأمة مَن فقدته من أعلام، في يومنا هذا أو بالأمس ودَّع السودان رجلا من رجالاته، رجال التربية الروحية ورجال السلوك الشيخ عبد الرحيم البرعي وهو من رجال التصوف الذين لم أسعد بالتعرف عليهم ولقائهم ولكن حدثني الأخوة السودانيون أن الرجل كان له باع واسع وله دور كبير في هداية الشباب إلى الالتزام بالدين ونقلهم من حياة اللهو والعبث والمجون إلى حياة الجد والاستقامة والطهارة وذلك بواسطة القرآن الكريم والمدائح النبوية. وكان الرجل ذا قلب وذا روح قوية استطاع أن يؤثر في عشرات الآلاف من أبناء هذه الأمة، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر له ويرحمه. وقبل أيام فجعت الأمة باغتيال الزعيم اللبناني المعروف رفيق الحريري الذي فوجئنا جميعا بهذه المصيبة والكارثة التي وقعت وبهذه الصورة البشعة والتي لم نعرف من ورائها حتى الآن والتي لا يستفيد منها عربي ولا مسلم ولا لبناني وإنما يستفيد منها أعداء هذه الأمة. نحن نعزي آل الحريري ونعزي الشعب اللبناني ونعزي العالم العربي والعالم الإسلامي في هذا الرجل الذي لم يعرف عنه العنف ولم يكن من الميالين للعنف ولكن عُرِف بالهدوء والحكمة وكان له دوره في عودة لبنان بعد الحرب الأهلية إلى السلام وإلى البناء وكانت له مساهماته الفعالة والقوية في إعادة بناء لبنان وكان له مساهماته في العمل الخيري، حتى إن مؤسسته الخيرية خرّجَت أكثر من ثلاثين ألف طالب وكلهم في الفيزياء والكيمياء والفلك والطب والتشريح والعلوم التطبيقية وغيرها، ليسوا في الأدبيات ولا الإنسانيات ولا في الشرعيات حتى وقال لي بعض الأخوة أن منهم سبعة آلاف حصلوا على الدكتوراه هذا من مؤسساته الخيرية، نحن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر له ويرحمه وأن يجزيه عما قدم خير الجزاء.
وقبله بأيام ودع الأخوة في أبو ظبي رجلا من رجالات الدعوة الإسلامية، عرفناه شاب يهز المنابر بخطابه ويستميل الشباب ببيانه، هذا الشاب هو الدكتور المهندس مصطفى مؤمن، كان في شبابه ملئ السمع والبصر، كان أشهر شاب في مصر، طاف البلاد المصرية كلها داعيا إلى القضية المصرية وداعيا إلى وحدة وادي النيل وإلى جلاء الإنجليز وكان متميزا بصوته القوي وبطريقته المؤثرة وبمعرفته بشؤون السياسة، حتى إنه ذهب إلى مجلس الأمن ذهب بنفسه ليدعوا إلى القضية المصرية في مجلس الأمن. هذا الشاب في أيام ما كنا طلاب والشيخ الذي بلغ الثمانين أو أكثر من الثمانين وقد وافاه الأجل في دولة الإمارات العربية ودفنه الأخوة والأحباب في أبو ظبي الدكتور مصطفى مؤمن، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر له ويرحمه ويتقبله في الصالحين. هذه كانت كلمة لابد منها في بداية هذا البرنامج قبل أن نجيب عن سؤالك أخت خديجة..
خديجة بن قنة [مقاطعةَ]: حول شمولية الإسلام، ماذا نعني بشمولية الإسلام؟
يوسف القرضاوي: الشمولية في الإسلام.. الإسلام رسالة شاملة وقد يعبر عنه بنظام شامل. هناك من يسعون إلى تفكيك الإسلام وتجزئة الإسلام، من يريد أن يحذف من الإسلام الكثير من تعاليمه، فيريدونه سلاما بلا جهاد، زواجا بلا طلاق، عقيدة بلا شريعة عبادة بلا معاملة، حقا بلا قوة، مصحفا بلا سيف، يريدون أن يأخذوا من الإسلام ما يحلو لهم ويحذفوا منه ما لا يروق لهم والإسلام كما أراده الله تبارك وتعالى وكما أنزله الله في كتابه وكما دعا إليه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكما فهمه الصحابة وتابعوهم بإحسان في خير قرون هذه الأمة رسالة تجمع بين الدنيا والآخرة، بين الروحانية والمادية، بين المثالية والواقعية، تشمل شؤون الفرد وشؤون الأسرة وشؤون المجتمع وشؤون الأمة وشؤون الدولة وشؤون العلاقات الدولية. هذه رسالة الإسلام ولذلك القرآن الكريم يقول {ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} تبيانا لكل شيء من رب كل شيء، فالإسلام ليس رسالة لاهوتية روحانية محصورة في ضمير الفرد أو محصورة في المسجد فقط، لا هو رسالة في الحياة كلها تشمل كل جوانب الحياة، ينظم حياة الإنسان من أدب المائدة، كيف يأكل "سَمِ الله وكل بيمينك وكل مما يليك ولا تأكل في آنيات ذهب أو فضة" ولا تأكل بكذا وكذا، هذا يعلم الإنسان، من أدب الاستنجاء إلى بناء الدولة، إلى بناء الدولة على أسس العدل والإحسان والأمانة والأخلاق والقيم والتشريعات، فهذه فهي رسالة تشمل كل جوانب حياة الإنسان وتشمل كل أطوار حياة الإنسان، يعني تُشرّع للإنسان منذ أن يولد وإلى أن يموت؛ عندما يولد الإنسان في أحكام تتعلق بالمولود جمعها الإمام بن القيم في كتاب سماه تحفة المودود في أحكام المولود، إنه أول ما ينزل يعني ينبغي أن يؤذن في أذنه اليمنى أول ما يسمع كلمة.. كلمة الله أكبر، الآذان الله أكبر ولا إله إلا الله حتى ليكون عند الإنسان عندما يولد يسمع كلمة لا إله إلا الله، أول ما يسمع كلمة وآخر كلمة يسمعها عند على فراش الموت "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" فهو يستقبل الحياة بالتوحيد ويودعها بالتوحيد وإن يقص شعره ويتصدق بوزنه ذهبا وإن يسمى فتحسن تسميته وأنه بعد أسبوع يعق عنها عقيقة، تذبح عنه ذبيحة وأشياء كثيرة ذكرها ابن القيم في هذا الكتاب، بل إحنا نعرف إن فيه هناك أحكام للإنسان قبل أن يولد، أحكام الجنين في بطن أمه، الجنين في بطن أمه له أحكام، لا يجوز إجهاضه حتى ولو كان جاء من حرام لا يجوز، المرأة التي جاءت إلى النبي وقالت إني حبلى من الزنا وأقم علي الحد قال لها "لا اذهبي حتى تلدي" ولما جاءت بعد أن وُلِد قال "اذهبي حتى تفطميه فإذا كان لنا سبيل عليكِ فليس لنا سبيل على ما في بطنك"ِ بل المرأة يجب أن تفطر في رمضان إذا كان الصيام يضر جنينها إلى هذا..
خديجة بن قنة [مقاطعةً]: إذاً يدخل في أدق تفاصيل الحياة، لكن فضيلة الشيخ أن..
يوسف القرضاوي [متابعاٌ]: في تفاصيل.. شوفي من الولادة بل من المرحلة الجنينية وهو طفل رضيع.
خديجة بن قنة [مقاطعةً]: نعم ولكن..
يوسف القرضاوي [متابعاٌ]: وهو طفل رضيع وينظم أحكام الرضاعة وبعدين وهو صبي وهو شاب وهو..
خديجة بن قنة: نعم لكن المنتقدون للفكرة فضيلة الشيخ يقولون لماذا الإلحاح على إقحام الإسلام في كل صغيرة وكبيرة من جوانب الحياة؟
يوسف القرضاوي: إحنا مش الحياة هو، هو هكذا الإسلام هنغيّر الإسلام من أجل الناس، إذا كان الإسلام هكذا أنزله الله تبارك وتعالى، هو عبادة ومعاملة وأخلاق وتشريعات وتربية واقتصاد وسياسة، كيف أنا.. هكذا أنزله الله عز وجل ولكن ليس معنى إنه الإسلام يُقحم في كل صغيرة وكبيرة إنه بعض الناس يعني لما كنا بندعو إلى الإسلام كان بعض الناس يقولوا لنا طب قولوا لنا إيه رأي الإسلام كيف يحل مشكلة المساكن؟ كيف يحل مشكلة المواصلات؟ كيف يحل مشكلة المجاري ومواسير المجاري التي تطفح؟ طب ما ده ليس هذا بشأن الإسلام إنه يعني.. أمال أين عقول الناس ولذلك الإسلام لم يجيء ليفصل الحكم في كل شيء، هناك أشياء يمكن تكلمنا عنها في حلقات سابقة منطقة بنسميها في الشريعة الإسلامية منطقة العفو، العفو وهي الأشياء التي لم يجيء فيها نص ولم يأت فيها لا قرآن ولا سُنّة، ليس هذا عجزا ولا نسيانا من الله لا دا قصدا "قل إن الله حد حدودا فلا تعتدوهها" الحديث حديث الدرقطن الذي ذكره الإمام النووي في الأربعين "إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وفرض فرائض فلا تضيعوها وترك أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" وفي الحديث أبو الدرداء يقول أيضا "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرمه فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا" ثم تلا قول الله تعالى {ومَا كَانَ رَبُّكَ نَسِياً} ربنا ما نسيش هذا إنما ده عفو من الله، يعني ربنا لا يريد أن يلزمكم بشيء، فهذه من الله سبحانه وتعالى، تعني إنه الإنسان معناه مش بيتدخل، هناك أشياء تأتي فيها تفصيلات في العبادات في شؤون الأسرة ولكن أيضا تفصيلات لا تدخل في الفروع الجزئية لكل شيء، ترك للعقل الإسلام، هناك أشياء نصّ على الجوانب والقواعد الكلية ولكنه لم يهتم بالتفصيل، زي ما قلنا في قضية مثلا الشورى، الشورى قال {أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، {وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} ولكن لم يحدد لنا كيفية الشورى ولا من هم أهل الشورى ولا فيما يستشارون، ليه؟ كي يصبح العقل المسلم حرا في اختيار أفضل الأساليب وهكذا.
خديجة بن قنة: نعم نأخذ الآن فاصلا قصيرا ثم نعود لمتابعة هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة حول شمولية الإسلام.
خديجة بن قنة: أهلا بكم مرة أخرى إلى برنامج الشريعة والحياة، موضوع حلقتنا اليوم شمولية الإسلام نشأة الفكرة ومستقبلها مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. فضيلة الشيخ في الفكر السياسي المعاصر يطلقون تعبير الأنظمة الشمولية على الأنظمة الاستبدادية التي تمارس العنف على الشعوب والتي تخنق الحريات كيف التفريق بين هذين التعبيرين؟ وكيف تردون على من يساوي بين شمولية الأنظمة وشمولية الإسلام؟
"
الأنظمة الشمولية يقصد بها أنظمة الحكم القمعية التي تتدخل في حريات الناس ولا تترك لهم حقا في حياتهم "
يوسف القرضاوي: الأنظمة الشمولية يقصد بها أنظمة الحكم القمعية التي تتدخل في حريات الناس ولا تترك للناس حقا في حياتهم لا أن يختاروا شيئا، الدولة تفرض عليهم كل شيء ونحن لا نقصد بشمولية الإسلام هذا أبدا، نحن نقصد شمولية الرسالة التي جاء بها الإسلام، إنها ليست مجرد رسالة لاهوتية، الإسلام يعني ليس كالمسيحية ولا حتى كالفلسفة الغربية، الفلسفة الغربية عندها أن الله خلق هذا العالم وتركه، لا يدبر فيه أمرا ولا يصنع فيه شيئا، مثل فلسفة أرسطو الذي قال إنه الله لا يعلم إلا ذاته أما عالم الكون والفساد هذا فلا يعلم عنه شيئا، لأن هذا لا يليق به يعني لا يناسب كماله إنه يعرف الكون اللي بيحدث فيه ده إيه، الكون بيتحرك إلى الله بالشوق فقط ولكن الله علّة غائية وليس علة فاعلة حسب تعبيراتهم الفلسفية، حتى قال ويل ديورانت وهو بيتحدث عن الإله عند أرسطو يقول يا لإله أرسطو من إله مسكين، إنه أشبه بملك الإنجليز يملك ولا يحكم، فهو لا إنما إحنا عندنا الإله يعلم كل شيء ويدبر كل أمر ويشرف على هذا الكون كله {ومَا تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} فليس عندنا ما عند المسيحيين من أن أعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله، لا عندنا قيصر وما لقيصر لله الواحد الأحد {ولِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ} {ولِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ}، {إنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَوَاتِ ومَن فِي الأَرْضِ} كل شيء لله فليس القول عندنا ليس مشطورا شطرين شطر لله وشطر والإنسان، أيضا ليس مقسوما قسمين قسم روحي توجهه الكنيسة والقسم الآخر توجهه الدولة أو الحكومة، لا الإسلام يوجه الإنسان كله ويوجه الحياة كلها ولذلك هذا معنى الشمولية أن الإسلام يشمل كل الحياة ويشمل كل الإنسان وأنا أفضل بدل ما نقول الإسلام نظام شامل تعبيري دائما يعني رسالة شاملة، لي كتاب اسمه الخصائص العامة للإسلام ومن ضمن الخصائص خصيصة الشمول، حتى إني كتبت كتابا يعني اسمه شمول الإسلام، كتاب كامل في هذا الشمول، إنه فهو الكلمة المؤثرة عندي هي رسالة شاملة تشمل الروحانية والمادية وتشمل المثالية والواقعية وتشمل توجيه الفرد وتوجيه الأسرة وتوجيه الجماعة وتوجيه الأمة وتوجيه الدولة وتوجيه العلاقات بين الأمم والدول بعضها وبعض. هذا من أفضل أن أسمي به الإسلام.
خديجة بن قنة [مقاطعةَ]: لكن فضيلة الشيخ تفاديا للبس بسبب تشابه التعبيرين شمولية الأنظمة السياسية وشمولية هل تقترحون تسمية أخرى؟ غير شمولية..
يوسف القرضاوي: ما أنا قلت لك رسالة..
خديجة بن قنة: رسالة..
يوسف القرضاوي [متابعاٌ]: رسالة شاملة رسالة جامعة، حتى إن الأمام حسن البنا في إحدى مقالاته قال عن شمولية الإسلام قال إن الإسلام هو الرسالة التي امتدت طولا حتى شملت آماد الزمن وامتدت عرضا حتى انتظمت أفاق الأمم وامتدت عمقا حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة. يعني لو افترضنا الإسلام جسم له طول وعرض وعمق وارتفاع فهو من الناحية الطولية شمل الزمن كله. إن الإسلام دين الأنبياء جميعا، كل الأنبياء كانوا مسلمين {مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً ولا نَصْرَانِيّاً ولَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً} كل الأنبياء أعلنوا أنهم مسلمون فهو شمل الزمن كله الماضي والحاضر والمستقبل وهو أيضا وإذا نظرنا إليه من ناحية العرض انتظمت أفاق الأمم لأنه رحمة الله للعالمين {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، {إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ} مش رسالة للعرب لوحدهم أو لأهل الشرق وحدهم وهو أيضا من ناحية العمق هو استوعبت شؤون رسالة استوعبت شؤون الدنيا والآخرة. فأنا بأفضل أننا نعبر بدل كلمة النظام بكلمة الرسالة الجامعة الشاملة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire